الثلاثاء، 7 ديسمبر 2010

إلى الأميرة عادلة .. لا تستصغري ما أنت فيه (فإنه عند الله عظيم) !

بسم الله الرحمن الرحيم





إلى الأميرة عادلة .. لا تستصغري ما أنت فيه (فإنه عند الله عظيم) !










تابعت ما تقوم به الأميرة عادلة بنت عبدالله، وما تتبناه من مؤتمرات وتصريحات، ومنها ما حدث أخيراً في منتدى المرأة في جدة، فرأيت الولَع غير المفهوم في قضايا المرأة، وتسارعاً يظهر منه مسابقة الوقت، والعين على عجل لا تُبصر موضع القدمين، ولا تخشى العثار، والإعلام يتابع ويبارك ذلك، مع التنظيم لمشاريع كبيرة، ومزاحمة الرجال على نحو الخُطى ومواضع القدم التي سارت عليها هُدى شعراوي، المرأة المصرية .وأنا أُدرك أن عادلة لا تُدرك من أمور الدين والعلم ما يؤهلها أن تخوض في مثل هذه القضايا الكبيرة، ولكنها ممتلئة حماساً وانسياقاً لتهيئة الموضع المناسب للمرأة – كما تزعم -، وهذا ما أوصلها إلى هذا الاندفاع الذي يجب على أهل الأمر والعقل الأخذ على يدها برفق، حتى لا تسوق نفسها وغيرها إلى هوة في الدين والأخلاق لا يُقام منها، فمن تردى من قمة جبل لن يُمسك نفسه متى شاء، وكثيرٌ من السالكين المندفعين يحتاجون إلى الوقوف في طريقهم، وإن عاندوا وكابروا، حتى تزول نشوة الباطل عنهم، ويعودوا إلى الجادة .. فللعقل فورة واندفاع للباطل كما هو للحق، فعن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكل عمل ضرواة شِرَّة –أي حماس واندفاع- ولكل شِرَّة فترة، فمن كانت فترته إلى اقتصاد وسنة فَلِأُمٍّ ما هُوَ، ومن كانت فترته إلى المعاصي فذلك الهالك.وإذا امتزجت الشِرَّة بالعجلة فالعجلة مجلبة للحسرة.وفي هذا الكلام لا أخوض في خطأ يحتمل الصواب، ولكني أقدم للأميرة عادلة ما لا أستجيز تأخيره من النصيحة لها والخوف على المجتمع أن ينساق خلف رايات مُزيَّفة .والأميرة وهي تسعى إلى ما تُريد تستشعر من نفسها خُطى الفاتحات المتحضرات، وتُبرم صفقات التقدم مع مجتمع تراه متخلفاً، ولا يلزم من صدق النية صلاح العمل، قال تعالى: (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً)، واليهود والنّصارى مع كفرهم بالله ومحاربتهم له، ادعوا أنهم أبناء الله وأصفياؤه قال تعالى: (وقالت اليهود والنّصارى نحن أبناء الله وأحباؤه).


وأود أن أنبه الأميرة وغيرها إلى ستة أمور:


أولاً : أن العلم والمعرفة لا ينتهي نسبه إلى حيث ينتهي نسب الإنسان، فالجاهل جاهل ممن كان، والعالم عالم ممن كان، وعلى الإنسان أن لا يخلط بين المقامات حتى لا ينتهي به الأمر إلى الجهل المُركب، فيظن من نفسه أنه يدري وهو لا يدري، وعلى العاقل أن لا يصنع الهيبة لنفسه، حتى لا ترجع إليه جهالاته بصورة حقائق، فما يصنعه من الهيبة، تُعطل جرأة الناصح أن ينصح، وتُهيب الناقد أن ينقد بحق وعقل ودين، وهكذا يضل كل من فقد المخطِّئ له إذا أخطأَ، واللائم له إذا أساء، والمقوّم له إذا اعوجّ؛ فيبقى لا يسمع إلاّ قول: صدَقَت، وأصبت.والهيبة تحمل القلوب إلى موافقة الباطل، وكثير ما هي، وتستجلب تملق المفتين بالباطل والمشرعين بالشبهة، والمؤسلمين للقضايا، ولن تُعدم الأميرة عادلة ولا غيرها شيخاً ومفتياً كأبي حسان المنذر، حيث قال عنه ابن حبان:كان حجاجياً، يقول: (من خالف الحجاج بن يوسف فقد خالف الإسلام).وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لما استُخلف يزيد بن عبدالملك قال: "سيروا سيرة عمر بن عبد العزيز"، فأتوه بأربعين شيخاً شهدوا له: (أن الخلفاء لا حساب عليهم ولا عذاب). فأقبل على الظلم وإتلاف المال والشرب والانهماك على سماع الغناء والخلوة بالقيان، وما أقصر الحياة الدنيا ! لم يعش يزيد سوى أربعة وثلاثين عاماً مع أنه استُخْلف ضعف الزمن الذي استُخلِفَه عمر .ومن بحث من أهل الجاه عمن يفتيه بالمحرمات القطعية كالخلوة والسفور ونزع الحجاب، وإقرار الاختلاط والتهوين منه، سيجد من ذلك قدراً وافراً، كما نراه اليوم في قضايا الاختلاط والحجاب وغيرها .


ثانياً: أن الحضارة والتمدن، لا تعني الانسياق خلف الصورة التي يُروِّج لها الإعلام الغربي، ويُريد من الشرق أن يكون عليها، فلو ملكت أشدُّ الأمم تخلفاً آلة إعلامية كما يملك الغرب لاستطاعت أن تجعل من صيد الجُعلان هواية.


ثالثاً: أن الصناعة لا تعني فضل العقائد والأخلاق، فنحن نرى مع فضل بني آدم على الحيوانات البهيمية، إلا أنه ما من خصيصة تصل إليها الحضارات إلا والبهائم والجمادات تفوق البشر فيها، فالطيور تطير في السماء منذ أول الخليقة، وقبل تفكير البشر في الطائرات، وليس هذا فضلاً للطيور على البشر، وهي تسير وفق نظام في السماء لا ترتطم ببعضها ولو كانت أسراباً من أُلوف، لا تُحسن البشرية عُشر خصائصها، وخصائص غيرها في قوة السمع، وقوة البصر، وحدة الشم، والإحساس بما في باطن الأرض، كما يذكره ويتفق عليه العارفون في علوم الحيوان.ونزع الله منها كمال العقل، للاعتبار، أن الله قدر يرزق هذه الهبات من لا عقل له أصلاً، هبات ثابتة متأصلة لا مكتسبة، بلا بحث ولا نظر ولا تعليم.وهكذا الجمادات كالكواكب والنجوم الصماء وسيرها الدقيق في الفضاء بانتظام، وكأنها ترى وتسمع، ولكن يُسيرها الله وحده .وهكذا الجن وما لهم من خصائص معجزة، منذ أول خلق الله لهم، كالطيران والسرعة، والسباحة وسط الجامدات واختراقها، والصعود إلى الفضاء إلى حد يعجز البشر عن فهمه وتصديقه، لولا ذكر الوحي له.والأفكار المتفرعة عن أصل صحيح، لا يعني صحة أصلها صحتها بنفسها، فكيف باعتقادين وفكرين منفصلين عن بعضهما، وهو معرفة المادة ومواضع القوة والضعف منها، وحقائق الغيب المبلغة من الله.


رابعاً: أن أخطر الأفكار الخاطئة التي يتبناها عظماء ووجهاء في الناس، فلحملة الأفكار ومكانتهم الاجتماعية أثرٌ يَعْقد العقول عن توازنها في استيعاب الصحيح والخطأ كما هو، فلأهل الجاه هيبة في نفوس العامة تَضْعف معها القلوب، فتأتيها تلك الأفكار وهي ضعيفة فتستقر، ولذا يقول عمر رضي الله عنه: "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" .ولأقوالهم ولأفكارهم هيبة تكسر حصون العقل المحكمة وأبوابه، وتنفذ إليه.لهذا يجب على الأميرة عادلة وأمثالها أن يعلموا أن التبعة عليهم كبيرة من الآثام والأوزار، فحساب الذنوب بقدر آثارها، قال تعالى: (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون).


خامساً: أن الخطى التي تسلكها الأميرة عادلة تشابه الخطى التي تسير عليها المرأة المصرية هدى شعراوي [ 1296هـ - 1367هـ ] قبل قرنٍ وهي ابنة محمد سلطان باشا أول رئيس مجلس نيابي في مصر، والناس ليسوا في غفلة، فالتاريخ شاهد على كثيرٍ من محاولات طمس معالم الإسلام بدعاوى متنوعة، فهدى شعراوي قد وجهتها امرأة فرنسية، إلى الفكر التحرري التغريبي بصورة إسلامية، ودعتها إلى التدرج في الفكر وأن تبدأ بالأعمال التي ظاهرها الحسن كممارسة الرياضة البدنية، وبناء ملاعب الرياضة، ثم الترغيب في الفنون والآداب، ولصداقات هدى شعراوي بالسلطة ونفوذها عبر نساء ورجال كمصطفى فهمي، أخذت تظهر أعمالها بصورة جهود الأفراد، واندفعت إلى ما تسميه بـ ( تحرير المرأة )، وأخذت تستغل المناسبات والأحداث، لتُمرر فيها ما تُريد، كدخولها في المظاهرات المصرية في وجه الاستعمار البريطاني عام 1919، هي وصديقة لها تُدعى (صفية زغلول) فتظاهرتا وهتفن ضد الانجليز، وفي هذه المسيرة النزيهة ألقين الحجاب (غطاء الوجه) في الأرض، و أحرقنه بالنار، والإعلام ينقل الحدث بهدوء تارة، وبصورة المستبشر بالتجديد تارةً أخرى.واستمرت متفانية، تُدفع بالخفاء وتُشَجَّع، وأخذت تُنظِّم المجامع والندوات النسائية، والغرب يُتابع نشاطها ويدعمه، حتى حضرت مع إحدى المتأثرات بها، ( المؤتمر النسائي الدولي ) الذي عقد في روما عام 1923م، وكان أول شي فعلته عند دخولها المؤتمر هي ومن معها، أن قامتا بنزع الحجاب ووضعه تحت الأقدام.حتى قال خير الدين الزركلي: (كانت – هدى شعراوي - أول مصرية مسلمة رفعت الحجاب).ولم ينته الأمر إلى نزع الحجاب، بل تتابع النزع، حتى أصبح ظهور صدر المرأة وساقيها بل وفي الأحيان فخذيها أمراً مستساغاً، وهو الذي انتهى إليه أمر المرأة المصرية إلا من رحم الله بعد تلك الدعوة.يجب أن نحتاط للفطرة التي إذا انفتح ثقب فيها اتسع، ونحوطها كما حاطها الله، ففي الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (إن موسى كان رجلاً حيياً ستيراً لا يرى من جلده شيء استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة وإما آفة، وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى، فخلا يوماً وحده فوضع ثيابه على الحجر، ثم اغتسل فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول: ثوبي حجر ثوبي حجر، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل، فرأوه عرياناً أحسن ما خلق الله وأبرأه مما يقولون، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضرباً بعصاه فوالله إن بالحجر لندباً من أثر ضربه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً).فالله لم يأمر موسى نفسه أن يبدي عورته بيديه للناس حتى تزول التهمة، ولكن غيَّر الله السنن الكونية وثبات الجامدات وجاذبية الأرض وحرك الحجر، حتى يتحقق المقصود من البراءة، ولم يأمر موسى بشيء يخالف الفطرة ويخل بتوازنها، ويفتح باباً صغيراً فيها يتسع مع الزمن ولا ينضبط، وتتنوع الأفهام في إدراك حدود الحاجات والضرورات، وإلا فأمر موسى أهون من تغيير سنن الكون، وكل ذلك هين على الله، ولكن سنة الله في الخلق حياطة الفطرة والاحتراز لها، فيتحرك الحجر ولا تتحرك الفطرة !


سادساً : أن القضايا التي تحرص عليها الأميرة عادلة قضايا مردها إلى الشرع والوحي المنزل، وليس إلى الذوق والاستحسان العقلي، وما ضلت الأمم والمجتمعات السابقة إلا باستحساناتها، وسُلوك طرق لا تُجدي من طوي أحكام الله وصرفها عن وجهتها، بكونها عادات وتقاليد ليَهون تركها، أو البحث عمن يُفتي بالباطل، أو القول أن صلاحية تلك النصوص إنما هو لأزمنة غابرة، بدعوى التحضُّر، فقد ادعى كفار قُريش الحضارة والفهم، وردوا الإسلام بعدم مناسبته لهم: (حَتَّى إذا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ) ، وكان ذلك من تبديلهم نعمة الله كفراً فماذا كانت النتيجة؟ (أحلوا قومهم دار البوار).وقد بين الله أمر الحجاب، وفصَّله في كتابه، فقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا).روى ابن جرير الطبري بسند صحيح عن علي عن ابن عباس في قوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ) قال: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة.وأمر الاختلاط وحكمه، قد بينت أدلته من الكتاب والسنة وإجماع العلماء في رسالة (الاختلاط تحرير وتقرير وتعقيب).والصراع الذي يحدث حول المرأة في بلادنا، صراعٌ لا يُرى منه إلا سطح الطاولة، ولا تُرى أرجلها الممسكة بها، وإن تبنى بعضَه شيوخٌ، وقد بيّنت كثيراً منه في كتاب (مناظرات الاختلاط)، كتبته قبل أن يغالط فيها التاريخ، ويُدلسها الزمن، ويصف خلافنا أنه خلافٌ فقهي، ويصف القائلين به أنهم علماء صادقون .. إنها أقوال رسمها المال والجاه، وأفكار تُباع الأقوال فيها وتُشترى بلا عقود.وما شهدنا إلا بما علمنا، وما كنا للغيب حافظين، ولنا في قصص القرآن أُسوة.وأسأل الله المشار إليه في كل حاجة، أن يجمعنا إلى العدل، ويأخذ بأيدينا إليه، لا إله إلا هو .


عبدالعزيز الطريفي 29/12/1431






































--

الاثنين، 8 نوفمبر 2010

الى قارئ اظنه مازال عربيا

قارئ: أظنه ما يزال عربيا !



محمد الرطيان






(1)


مشغول بقضاياك الصغيرة، وأشيائك اليومية؟


مشغول برغيف الخبز، ومصاريف الأولاد، وسفلتة وإنارة الشارع الذي يمر أمام بيتك؟.. لا بأس.. حتى الناس في « غزة » تشغلهم مثل هذه الأشياء -أو شبيهة لها- ويستطيعون رغم كل الحصار المفروض عليهم أن يتدبروا أمرهم، ويوفروا بعض ما يجب توفيره.. يأكلون الزعتر والزيتون.. ويقاومون.


وماذا بعد؟.. هل يمنعك هذا من أن تنشغل -ولو قليلًا - بقضاياك الكبرى.. ومنها: فلسطين؟.. هل نسيت فلسطين؟!


سيقول لك صوت ما: « وما شأني أنا »؟


قل له: ولماذا يكون شأن رجل شريف أو امرأة شريفة من الغرب، ولا يكون شأنك يا ابن العم؟!


سيقول لك الصوت ليربكك: « تقصد جورج غلاوي؟.. هذا رجل يبحث عن الأضواء والمكاسب السياسية».


لا تجادله.. وقل له: لا أقصده -وإن كنت أحترمه أكثر منك- بل أقصد أناسا بسطاء مثلك.. أقصد « راشيل كوري» -وأمثالها كثيرون- تلك الشابة التي ماتت تحت جرافة إسرائيلية وهي تحاول أن تمنعها من هدم بيت فلسطيني.


لحظتها.. اذهب للمرآة، وانظر إلى وجهك، و « افتل شواربك» واعترف: أن هذه المرأة « أرجل» منك ألف مرة !


(2)


من أنت؟


اخرج من الهويات الصغرى -تلك التي يدفعك لها زمن الهزيمة- وانزع ثياب الهويات الضيقة: المذهبية / القبلية / القطرية.. حتى تصل إلى جلدك!


وفي المقابل.. دع عنك كل هذا الضجيج العالمي الذي يريد أن يمسخك ويجعلك كائنا « معولم» بلا هوية واضحة..


ستكتشف أنك وببساطة تمتلك هوية واضحة: عربي.


(3)


فلسطين: أرضك.


وأهل فلسطين: أهلك وعزوتك و « القرابة».


وعار عليك أن يأتي « متضامن » من أقصى الأرض يدفع دمه وماله ليتضامن معهم.. وأنت تتفرج على المشهد وكأنه لا يعنيك!


كل هذا الفضاء الالكتروني مفتوح أمامك ولم تكتب سطرًا واحدًا لها.. أو عنها!


كل هذه الثرثرة التي تملأ بها « تويتر» و « الفيسبوك » والمدونات والمنتديات..تملأها بالأشياء التافهة.. وتنسى ولو لمرة واحدة أن تتذكر « فلسطين »!


بل أنك سمحت لخصومها أن يشوّهوا الصورة أمامك.. وأحيانًا تنساق وراءهم بسذاجة!.. لا تصدق هذا الذي يدّعي «الليبرالية» وهو يقف بجانب الجلاد ضد الضحية.. لا تصدق هذا الاسم المستعار -الذي يكتب معك في منتداك الالكتروني- والذي يعمل بحماسة ليلخبط روحك وانتماءاتك.. فأنت لا تعلم من أي وزارة خارجية أو جهاز مخابرات أتى!!


(4)


سيأتي من يقول لك: هذا خطاب تراثي تجاوزه الزمن.


قل له: نصف خطابات التراث أجمل وأشرف من هذا الخطاب المعاصر المشبوه!


سيقول لك أحدهم: هذا كلام عاطفي.


قل له: هذا كلام العقل والعاطفة.. فمن يقبل أن يغتصب بيت أخيه وهو يتفرج.. سيأتي يوم يغتصب فيه بيته دون أن يحرك ساكنا.. أو يسكن متحركا!


(5)


ما الذي حدث لك؟


خلال العقدين الماضيين أصبحت ترى جثة الطفل الفلسطيني وتسمع صراخ العجوز وتضغط على أزرار الريموت كنترول للبحث عن برنامج ترفيهي أو لمتابعة مسلسلك المفضل؟


أصبحت لا تتذكر فلسطين إلا عند إبادة المئات من أهلها عبر «أكشن» تلفزيوني تبثه القنوات الإخبارية؟!


ما الذي حدث لك؟.. من الذي شوّهك بهذا الشكل؟


هل هم الساسة؟.. هل هو الإعلام؟.. هل هي مخططات طويلة الأمد أوصلتنا إلى منطقة البلادة واللامبالاة؟!.. هل هي كذبة «أوسلو» وبقية الأكاذيب التي تطلقها المهرجانات السياسية برعاية البيت الأبيض؟.. هل هي تلك العبارات المراوغة «الفلسطينيون اختاروا السلام.. الفلسطينيون يتفاوضون.. الفلسطينيون يوقّعون».. والحقيقة أن هؤلاء « الفلسطينيون» ثلاثة.. أو عشرة أشخاص.. والملايين ما يزالون يقاومون.. ويُحاصَرون.. ويتعرضون للإبادة اليومية بكافة الأشكال.


لا تجعل نشرات الأخبار تخدعك !


(6)


فلسطين ليست « فصيلا » يقاتل « فصيلا آخر » للبحث عن السلطة وما تجلبه من مكاسب.


فلسطين ليست ثلاثة من الساسة الذين تكرههم ، يذهبون إلى مؤتمر ليوقّعوا على المزيد من التنازلات.


فلسطين: قضيتك المركزية.


فلسطين: أغنيتك الخالدة التي لا تموت مهما سيطر الإيقاع الغربي على مقامات الغناء العربي.


فلسطين: المسجد الأقصى الذي تعادل الصلاة فيه خمسمائة صلاة.. ألم تحلم بالصلاة هناك؟.. ألم تراودك نفسك بهذا الحلم الجميل؟


فلسطين: الذاكرة.. ومن ينسها فقد أصابه «خرف» في الشرف والانتماء!


فلسطين: عشرات الآلاف من الشهداء.. ومئات الآلاف الذين ينتظرون دورهم.


فلسطين: خندقنا الأول -الذي لم يسقط حتى الآن- وما يزال يقاتل عدونا الواحد.


فلسطين: صلاة تعادل خمسمائة صلاة .


(7)


كنت، وما زلت، وسأظل أؤمن أن إسرائيل ورم سرطاني يجب استئصاله.. هي شيء عابر وطارئ.. أو مؤقت.. هي بالضبط مثل نبتة غريبة جلبت من مكان بعيد لتُزرع في أرض مختلفة وطقس مختلف.. جلبوا لها أفضل أنواع الأسمدة الكيماوية.. وأفضل مهندسي الزراعة بالغرب.. ودعموها بأجود أنواع مياه الري مع أفضل وأحدث الأدوات الزراعية.. والنتيجة: نبتة ميتة.. أو في أفضل الأحوال مشوّهة ولا مستقبل لها.. و « الإسرائيلي» في داخل أعماقه يؤمن بهذا: الحرب ستأكله، واللا سلام سيأكله أكثر!


لهذا لا يزال الإسرائيلي يحتفظ بألبوم صوره الذي جلبه من «بولندا » وعنوانه القديم..


والآخر لم يبع شقته في « روسيا » حتى الآن!


والثالث ما يزال يحتفظ -في مكان آمن- بهويته القديمة للبلد الذي أتى منه.


إسرائيل: نبتة مشوّهة.. شبه ميّتة.


فلسطين: شجرة الزيتون.


وستظل هذه الشجرة قائمة على أرضها طالما أن هنالك عجوزا تشعل نار تنّورها لتطعم أولادها الخبز والمقاومة.


وطالما أن هنالك امرأة تقدم ثلاثة شهداء من أولادها وتنجب بدلا منهم سبعة.


وطالما أن هنالك كهلا طاعنا بالسن والحزن ، ما يزال يحتفظ بمفتاح بيته القديم.


وطالما أن هنالك رجلا وامرأة يصرّان كل أسبوع أن يصليا الجمعة في المسجد الأقصى.


ستظل فلسطين الثابتة.. وستذهب إسرائيل الطارئة.






رابط الموضوع














http://www.al-madina.com/node/268016














كيف تكون وزير؟



كيف تصبح وزيراً؟!!


الدكتور حسن العجمي

حتى تكون وزيراً فإنه يجب ان لا تكون راعياً من نسل رعاة فقد أفسدت هذه المهنة جيناتك وجعلتك مضروباً عرقياً ، لأنك حتى لو طورت نفسك واصبحت متعلماً ومؤهلاً تأهيلاً عالياً ، وحتى لو حذفت ذلك اللقب الموجود في آخر اسمك وهو اللقب الدال على تلك المهنة (النكبة) التي كان يمارسها آبائك وأجدادك فإن هناك من يعرفك من رائحتك ومن طلة عينيك ، لذلك لا تحاول ولا تتعب نفسك ولا تتخلى عن أصلك لأنك (عمرك ما حتصير وزير) ، وبالمقابل أيضاً فإنك حتى تكون وزيراً يجب أن لا تكون من سلالة الطيور المهاجرة التي أعتقد أنها ما هاجرت إلى هنا إلا تقرباً إلى الله ورسوله ، لأن المفروض أن الوزير يكون سعودي بالأصل!!! طيب يا جماعة البدوي سعودي بالأصل ليش ما تحطونه وزير؟؟؟، يردون عليك يقولون : لا ما ينفع هذا كان بدوي ، خليه يروح العسكرية!!! ، طيب الحضري ؟؟؟ لا هذا مو سعودي بالأصل (والله تعبتونا معاكم نبغى نفهم؟؟؟) ، أليس كِلا الفريقين يحمل هوية وطنية وكلا الفريقين سعودي ، فيأتيك الرد للأسف : الفريق الأول بدوي ما عنده سالفة ، والثاني طرش بحر ما عنده ولاء ، طيب وأهل الجنوب رجال وقول وفعل؟؟؟ يقولون لأ هذولي صفر سبعة ويخوفون وما يصلحون!!! ، إذاً أين اللحمة الوطنية والمساواة في حقوق المواطنة وماهي فائدة بطاقة الأحوال المدنية ؟؟؟، فائدتها تحطها في جيبك من اجل نقاط التفتيش!!! .






وبعد تفكير عميق فهمت السالفة : يعني إذا تبي تصير وزير اثابك الله لازم ما تكون بدوي ، ولا طرش بحر ولا صفر سبعة !!!، لازم تكون سعودي بالأصل بارك الله فيييك!!! ، هل عرفتم الحين على من تنطبق الشروط ؟؟؟ ممكن بعظكم ما أخذ باله ، كل واحد يطالع حواليه ويلاحظ اكثر المناصب في يد من؟ وبعدها ستعرفون قصدي ، أعتقد إني لمَّحت بما فيه الكفاية .






في وسيلة ثانية ممكن تخليك تصير وزير وبسرعة البرق!!!، وهي انك تكون أمين إحدى المدن الكبيرة وتتسبب في نكبة مؤلمة عبر حزمة ضخمة من المخالفات تتمثل في أحياء عشوائية ، وطرق مكسرة ، وصرف صحي للأحياء الفخمة فقط ، ومخططات في مجاري السيول ، ثم ينزل المطر فتنكشف معه فضائحك فيموت الناس وتنهدم البيوت وتنجرف السيارات ويضحك علينا العالم من أول أفريقيا غرباً وحتى أقصى آسيا شرقاً ، فيتوقع الناس أن تلك السيول ستذهب بك إلى المقصلة وانك ستحاسب حساباً عسيراً وإذا بها تحملك في يخت سريع لتكون وزيراً ، حينها ستُذهل وستسأل نفسك معقولة ؟؟؟ وزير على طول؟؟؟ أكيد في شيء غلط!!! ثم تعلن أنك نذرت للرحمن صوماً ثلاثة أشهر فلن تكلم فيها إنسيا ، ويبدأ المطبلون من حولك بالتطبيل فيقولون: الوزير الفلتة ، ويقولون : الهدوء الذي يسبق العاصفة ، ومنهم من يقول: إنه يُعِد لحملة إصلاح شرسة ، وآخرون يقولون: إنه يتجول بصمت!!! (أسد مو وزير) ، ولأنك رفضت الحديث فقد ذهب إلى زوجتك(معالي الوزيرة) ، ها يا طويلة العمر كيف معالي الوزير؟؟؟ تقول طويلة العمر: أنا لي كلام خاص مع معالي الوزير!!!، (ليتك سكتي)!!! .






السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة لماذا توقف الناس عن مهاجمتك بعد ان أصبحت وزيراً ، هل هو احترام وتقدير للأمر الملكي القاضي بتعيينك ؟؟؟ حقيقة أنا شخصياً تلكأت كثيراً في مهاجمتك لأنه إذا كان المقصد الأمر الملكي فبلا شك أن سيدي خادم الحرمين الشريفين يعرف مالا نعرف ، ولكني تأكدت أنك حين عُينت أميناً كان ذاك بأمر ملكي أيضاً ومع ذلك هاجمك الناس وانتقدوك ولا يعني ذلك انتقاصاً للأمر الملكي المبجل ولا نيلاً من الذات الملكية ، فذمتك مستقلة وكل انسان ملزم بطائره في عنقه ، إذاً لماذا توقف الهجوم عليك وأنت من أنت !!! أنت الذي باشرت غرق مئات الناس وآلاف السيارات والمنازل ، هل يكون السبب هو رغبة المجتمع في مزيد من المآسي ورؤية كثير من الضحايا؟؟؟ .






ايها السادة القراء أعتقد أن سبب صمت الإعلاميين هي صفقة غير معلنة تفرضها طبيعة الحال وتقاطع المصالح بينهم وبين هذا الوزير ، فإن كثيراً ممن يتربعون على منصاتنا الاعلامية ويحتلون الزوايا الصحفية ، هم علمانيون مقيتون يؤرقهم عدم عمل المرأة مع الرجال وعدم تفعيل اختلاطها بهم ، كما أنهم في ذات الوقت يعوِّلون على هذا الشخص في أن يحقق أحلامهم ويفعِّل نزواتهم ، إذ أنه كان أول من بادر إلى توظيف امرأة في مجتمع رجولي حيث كان يعمل ، وهو اقدر في منصبه الجديد على تشريع ذلك الفساد ونشره ، لذلك فقد أنستهم فرحتهم به وآمالهم المعلقة عليه ، حقيقته وماضيه الكئيب ، بالضبط كما تناسوا أرواح مئات الشهداء ومليارات الخسائر التي دفع ثمنها وطننا الغالي بسببه ، لذلك لا تغتروا بكثير من الناعقين بالإصلاح والناعقات الذين لو كانوا صادقين في نقدهم هادفين في كتاباتهم ، لازدادوا حنقاً وغيضاً على هذا الوزير القادم من بحيرة المسك والذي لم تجف صحيفة سوابقه بعد ، ومع ذلك يعتلي منصباً بهذه الأهمية ، نسأل الله العفو والعافية. .


خالد الفيصب وسقف الحريه

خالد الفيصل وسقف الحرية..!







* أ. منصور القحطاني


أول مهمة للإعلامي يجب أن تكون محاولة رفع سقف الحرية حتى يمارس دوره


باستقلالية ويتحدث بصراحة عما يختلج في صدره!، فيكون قد أدى رسالته التي


يؤمن بها، ويكون قد قدم خدمة جليلة للمجتمع، لكن ثمة نافذون وكتاب في


إعلامنا كل همهم هو الضغط على سقف الحرية من الأعلى حتى يهبط!، مع أنهم


المبشرون بالحرية..!






فعندما قال الشيخ عوض القرني بأن هناك من المثقفين من لا يريد


الانتخابات، رد عليه الكاتب محمد الساعد وقال إنه بالفعل لا يريدها لأنها


ستأتي بأمثال عوض القرني وأنه من حقه أن يختار من يشاء!، فهل يقصد الساعد


بأنه ليس من حق الأغلبية أن تختار من تشاء إلا بعد أن تتم إعادة أدلجة


المجتمع واستنبات الثقافة التي تناسبه مثلاً؟، وعندما أنتقد الكاتب


إبراهيم السكران الديوان الملكي هاجمه يحيى الأمير زاعماً بأنه أساء


الأدب!، وعندما همت وزارة الإعلام بإخراس الناشر الإلكتروني دافع بعض


الكتاب عن قرارها!، وعندما أعدت الإعلامية هدى الحامد برنامجاً لا يمكن


أن يوصف بالجرأة إلا في بيئة لا تقيم وزناً لا لحرية التعبير ولا لقضايا


المجتمع الأكثر إلحاحاً فصلت من عملها!، وعندما ينتقد بعض الكتاب اليوم


قرار الأمير خالد الفيصل نجد من يعبر عن امتعاضه من هذا النقد..!






نحن لا نطالبهم بأن يسألوا خالد الفيصل من أين لك هذا؟، لا نطالبهم أن


يسألوه أي سماء أمطرت عليك ذهباً؟، وأي صدفة فجرت لك الأرض ينبوعاً؟، ولا


نطالبهم أن يسألوه من أين حصلت على هذا المنصب الإداري الذي تتقاضى عليه


راتباً ضخماً من مالنا العام؟، لا نطالبهم أن يتحققوا من سيرته الذاتية!،


ولا عن كفاءته الإدارية؟، ولا نطالبهم بأن يسألوا خالد الفيصل كيف أصبح


الشاعر الرسام الخيال الصقار ملهب الفكر والبطل الأسطوري!، لا!، حاشا


لله!، لا نقصد هذا!، فربما لازالت كل هذه خطوط حمراء، وحقول مفخخة


بالألغام!!، ولكن نريدهم فقط إذا عجزوا عن المساهمة في رفع سقف الحرية أن


يتركوها ترتفع من تلقاء نفسها!، أن لا يعرقلوا حركة التأريخ، وأن لا


يجهضوا جهود الآخرين..!، أو على الأقل أن لا يزعموا بأنهم أصحاب


الحرية..!






خالد الفيصل ليس نبياً معصوماً!، ولا زعيماً روحياً أو رمزاً دينياً


يتعاضد من أجله الأتباع والمقلدة!، ولكنه يملك من المال والسلطة ما يجعل


البعض يتردد في نقده خوفاً أو طمعاً!، رغم أن جميع الأمم المتحضرة لا


تنظر للنقد بوصفه تطاولاً أو إساءة!، ولكننا نفعل!، ولأننا أمة متخلفة


فإنه يتوجب علينا أن نتدرج في ترقي سلم الحرية درجة بعد درجة حتى نخرج من


هذا الحضيض الأوهد!، حتى نلتحق بركب الحضارة والتقدم، حتى نبني وطناً


قوياً متماسكاً، حتى نحافظ على هويتنا وثقافتنا ونحولها منبعاً للحضارة


عوضاً عن ثقافة الاستنبات والتقليد واستهلاك الثقافات الأخرى!، وجزء كبير


من هذه المسؤولية يقع على عاتق الإعلام!، ولكنه لا يقوم بها!، ولا يريد


من الآخرين أن يفعلوا..!






طيب الله أوقاتكم..






منصور القحطاني


الأحد، 7 نوفمبر 2010

القران لايغيب



القرآن لا يغيِّب البسمة!






-مدخل:


الحمدلله وبعد،،


على طاولتي الآن ورقتان كل واحدة منهما تركل الأخرى من شدة المفارقة، أولهما قصاصة من صحيفة الوطن يعلن فيها الأمير خالد الفيصل تذمره الشديد ممن يفترون عليه ويقولون أنه أصدر (قرار تشريد حفظة القرآن)، جاء في خبر الصحيفة:


(اكتفى أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل بالقول: حسبي الله ونعم الوكيل.. حسبي الله ونعم الوكيل، فأنا مشغول بخدمة هذه الأرض المقدسة وأهلها والوافدين إليها من ضيوف الرحمن، وليس لدي الوقت لمتابعة مثل هذه الكتابات في هذه المواقع، ولكن أسأل الله العلي القدير الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور أن يغفر لي وهؤلاء الذين أساؤوا لي) [صحيفة الوطن، 3/11/2010].






حسناً .. وضعت هذه التصريح الذي يعلن فيه الأمير خالد الفيصل قبل يومين بأنه مظلوم، وأنهم يتجنون عليه، بجانب نسخة من قرار الأمير نفسه بتشريد حفظة القرآن الكريم، والذي أصدره قبل شهر ونصف، وبلهجة بوليسية حادة، يقول فيه:


(سعادة مدير فرع وزارة الشؤون الاسلامية بمنطقة مكة المكرمة...، حيث أن التعليمات تمنع الأجانب من التدريس في حلقات تحفيظ القرآن الكريم، لذا نرغب الاطلاع والتأكيد على فروع الادارة طرفكم بمحافظات المنطقة بمتابعة حلقات التحفيظ، واستبعاد الأجانب منها فوراً، واستدعاء مدير الجمعية المذكورة، والتحقيق معه حيال أسباب تمكين أجانب من الإشراف على حلقات تحفيظ القرآن الكريم، وأخذ التعهد اللازم عليه بالتقيد بالتعليمات الخاصة بعدم السماح للأجانب بمزاولة التدريس، وقد زودْنا مدير جوازات المنطقة بصورة من برقيتنا هذه لاستدعاء الأجانب المشار لأسمائهم، وإلزام كفلائهم بتأمين عمل لهم أو ترحيلهم من البلاد. التوقيع خالد الفيصل) [خطاب من أمارة منطقة مكة المكرمة، برقم 1ش/714628، وتاريخ 17/10/1431هـ].






عدت مجدداً لذلك الخبر الذي يقول فيه الأمير خالد الفيصل (حسبي الله ونعم الوكيل.. أنا مشغول بخدمة ضيوف الرحمن)! وقلت في نفسي لماذا يتم استغفال الناس بهذه الطريقة؟ يُصدِر الأمير خالد من تحت الطاولة أمراً قاسياً بتشريد حفاظ القرآن الكريم والتحقيق مع معلميهم وكفلائهم وترحيلهم من البلاد، ثم يَظهر بعدها في الصحافة بلغة عاشورائية متمسكنة تتوجع من الظلم، والتجني، ويكشف فيه عن جدوله اليومي المكتظ بهموم ضيوف الرحمن، ويردد (حسبي الله ونعم الوكيل) !






-نظامية قرار تشريد حفظة القرآن:


هذا القرار الإداري الذي اتخذه الأمير خالد الفيصل هل هو قرار نظامي صحيح، أم هو قرار غير مشروع ومشوب بعيب نظامي؟


من المعروف في (علم القضاء الإداري) أن القرار الإداري يكون معرضاً لـ(دعوى الإلغاء) إذا كان مشوباً بأحد العيوب الستة المعروفة، وقد نص عليها نظام ديوان المظالم السعودي، حيث جاء فيه:


(تختص المحاكم الإدارية بالفصل في الآتي:ب- دعاوى إلغاء القرارات الإدارية النهائية التي يقدمها ذوو الشأن، متى كان مرجع الطعن: عدم الاختصاص، أو وجود عيب في الشكل، أو عيب في السبب، أو مخالفة النظم واللوائح، أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها، أو إساءة استعمال السلطة) [نظام ديوان المظالم، 1428هـ، م13/ب]






وحين نتأمل في القرار السابق الذي اتخذه الأمير خالد الفيصل نجد أنه مشوب بعدة عيوب، منها الخطأ في تطبيق الأنظمة، ومنها عيب عدم الاختصاص الموضوعي، وهو تحديداً (اعتداء هيئة ادارية على اختصاص هيئة إدارية أعلى منها)، لأن قرار السعودة ليس من اختصاص إمارات المناطق، وإنما هو من اختصاص هيئة إدارية أخرى أعلى منها وهي (وزارة الداخلية)، ووزارة الداخلية (المختص الفعلي) أصدرت قراراً إدارياً باستثناء حلقات التحفيظ من قرار السعودة، حيث جاء في قرار وزارة الداخلية:


(سعادة مدير عام الجوازات..، بشأن طلب معالي نائب رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة مكة المكرمة بعدم إلزام العاملين المتعاونين مع الجمعية بنقل كفالتهم، لأن عملهم يقتصر على الفترة المسائية فقط، وهم تحت كفالة جهات أخرى..، عليه لا مانع من ذلك، ولكم تحياتنا، التوقيع: نائب وزير الداخلية، أحمد بن عبدالعزيز) [خطاب صادر من مكتب وزير الداخلية، برقم 1/ب/4922، وتاريخ 17/5/1419هـ].






فنلاحظ في هذا القرار الإداري الصريح من الجهة المختصة استثناء حلقات التحفيظ من قرار السعودة، وبالتالي فإن إلزام إمارة منطقة مكة لحلقات التحفيظ بالسعودة هو تعدي من هيئة إدارية على اختصاص هيئة إدارية أعلى منها، وهذا عيب صريح من عيوب عدم الاختصاص التي تجعل قرار الأمير خالد الفيصل قرار غير مشروع نظاماً، بل فيه انتهاك صريح لاختصاص هيئة إدارية أخرى.






واختصاصات أمراء المناطق ليست فوضى، بل هي مضبوطة بنظام المناطق (1412هـ المعدل بالأمر الملكي 1414هـ)، والذي قسم المناطق الإدارية في السعودية إلى ثلاثة عشر منطقة، وحدد صلاحيات أمراء المناطق في المادة السابعة، وهي أقرب إلى المهام الإشرافية فقط، والأمير خالد الفيصل متبرم من ضيق صلاحياته، وقد صرح بذلك مرةً في لقاء صحفي عام، كما جاء في صحيفة الوطن:


(في رده على سؤال صحفي أثناء زيارته للقنفذة، قال الأمير خالد الفيصل ما معناه: إن محدودية الصلاحيات بيد أمير المنطقة لا تعني أن نظل مكتوفي الأيدي رهناً للحدود بلا عمل) [صحيفة الوطن، 23/1/2008]






هذا التصريح للأمير خالد تصريح مُريب بصراحة، فهذا التصريح يؤكد أن الأمير خالد الفيصل يعي جيداً محدودية صلاحياته كأمير للمنطقة، ومع ذلك يتحدث بلغة تحدّي توحي بعزمه على تجاوز صلاحياته النظامية عمداً، وانتهاك صلاحيات هيئات إدارية أخرى! وهذا يعني أن خطأ الأمير خالد في اجتياح اختصاصات هيئات إدارية أخرى لم يكن تعدياًً عفوياً غير مقصود، بل كان تعدياً واعياً لتوسيع هيمنة اختصاصاته بطريقة غير نظامية! وهذا شئ مؤسف فعلاً.






على أية حال .. الأهم في الأمر كله أن جهة الاختصاص وهي وزارة الداخلية هي التي قررت استثناء حلقات التحفيظ من قرار السعودة، ووزارة الداخلية ليست هيئة إدارية مساوية لإمارة المنطقة، بل هي هيئة إدارية أعلى من إمارة المنطقة، فإمارة المنطقة تابعة لوزارة الداخلية؛ كما نصت على ذلك المادة الخامسة من نظام المناطق:


(يكون أمير المنطقة مسئولاً أمام وزير الداخلية) [نظام المناطق، م5]






وعليه فيمكن الادعاء بأن هذا الخطأ النظامي الذي ارتكبه الأمير خالد الفيصل يقع في ما يسميه خبراء القضاء الإداري (تعدي المرؤوس على اختصاص رئيسه).






ومما يؤكد هذا التعدي النظامي الخطير من الأمير خالد الفيصل أن بقية أمراء المناطق الإدارية في المملكة (12منطقة) كلها -بلا استثناء- لم يطبق أمراؤها السعودة على حلقات التحفيظ، وهم: (سلمان بن عبدالعزيز، عبدالعزيز بن ماجد، فيصل بن بندر، محمد بن فهد، سعود بن عبدالمحسن، محمد بن ناصر، فيصل بن خالد، مشاري بن سعود، فهد بن سلطان، مشعل بن عبدالله، فهد بن بدر، عبدالله بن مساعد)، فكل أمراء المناطق هؤلاء عملوا بالاستثناء الذي قررته جهة الاختصاص وهي وزارة الداخلية، وفي كل هذه المناطق الإدارية يعمل فيها غير السعودي مع أخيه السعودي جنباً إلى جنب في تحفيظ القرآن، إلا أمير منطقة مكة خالد الفيصل –هداه الله- فهو الذي عارض وزارة الداخلية –وهي جهة الاختصاص ومرجعه الاداري في ذات الوقت- وطبق القرار في محل الاستثناء!






السؤال الذي يحير المتابع: ما الذي يدفع الأمير خالد الفيصل لأن ينفرد عن كل أمراء المناطق هؤلاء بتحدي النظام وتجاوز اختصاصاته والتسلط على حفظة كتاب الله؟






-سعودة أم شماعة؟ :


المقاصد والأغراض الخفية يكشفها السياق دوماً، والناس ليسوا بلهاء ولا مغفلين، ففي منطقة مكة المكرمة لا تزال توجد في المؤسسات الحكومية والشركات الكبرى وظائف كثيرة جداً يشغلها إخوة لنا غير سعوديين، وفي كل هذه الوظائف لم يأتِ أي استثناء نظامي بشأنهم، فلماذا قفز الأمير خالد الفيصل وترك كل هذه المؤسسات والشركات، التي يجب تطبيق النظام عليها، وطبق النظام على جهة مستثناة أصلاً؟


هل أبقى الأمير خالد –بالله عليكم- موضعاً لحسن الظن؟!






لن أستعرض هذه المؤسسات الحكومية والشركات الكبرى، ولكني سآخذ عينة واحدة فقط لأنها عينة مشابهة لجمعية التحفيظ، وهي (المدارس الأهلية) في منطقة مكة المكرمة، ففي المدارس الأهلية للبنين يشكل إخوتنا غير السعوديين فيها ما نسبته 70%، وفي المدارس الأهلية للفتيات تشكل أخواتنا غير السعوديات فيها ما نسبته 40%، فلماذا تركها الأمير خالد الفيصل، وهي لم تستثنَ، وذهب يطبق القرار على محل مستثنى أصلاً؟!






مرةً أخرى .. هل أبقى الأمير خالد موضعاً لحسن الظن؟!






حسناً .. لنفترض أن القضية سعودة فعلاً، هل طبقت السعودة في كل القطاعات بهذه الطريقة الفجائية المريبة، تسريح 6000 معلم، وتشريد 120,000 طالب في لحظة زمنية واحدة؟! في كل القطاعات التي طبقت فيها السعودة أعطيت الجهات ذات العلاقة فترة زمنية تدريجية لتصحيح الأوضاع، كخمس سنوات مثلاً، وإذا حصل عجز عن التغطية بسعوديين فإنه تستثنى كمية العجز من السعودة، وليست الأمور بهذه الأسلوب المباغت الذي نفذته إمارة مكة والذي بعثر الطلاب وأربك جمعية التحفيظ وحرم المساجد من دوي صبيان المسلمين بالقرآن.






على أية حال .. لا يشك أي متابع يتمتع بقواه العقلية بشكل جيد أن القضية لا سعودة ولا غيرها، وإنما القضية تفتيش عن شماعة يمكن أن يعلق عليها التبرير الإعلامي لمخطط الإغارة على حلقات تحفيظ القرآن.






-الافتراءات الترميمية:


بعد أن تم تنفيذ المؤامرة، واشتعال القضية إعلامياً، وتذمر الناس بشكل واسع في المجالس وعلى شبكة الانترنت، وتوالي الوفود الاحتسابية على الإمارة، وانهمار المخاطبات والمكاتبات من شتى أنحاء المملكة؛ اكتشفت إمارة منطقة مكة أنها وقعت في ورطة! ومن الواضح أنهم لم يتوقعوا أبداً أن يكون رد الفعل الشعبي بهذه الصورة! ولكن الأمير خالد الفيصل صعب عليه أن يتراجع عن قراره لأنه يشعر أن هذا فيه كسر لسيادته، وأنه يوصل رسالة بأنه خضع للضغوط، وهذه من أصعب الأمور على الأمير خالد الفيصل لمن يعرف شخصيته جيداً.


وفي هذه الظروف: ما هو الحل الذي تفتقت عنه أذهان مرتزقة الصحافة؟






لم يكن الحل هو التراجع الصريح الفوري عن القرار، والاعتذار لطلاب التحفيظ، وإنشاء حفل لتكريمهم، ومضاعفة مكافآت المعلمين تعويضاً عن الأضرار المعنوية التي لحقتهم، كلا، كل ذلك لم يقع، وإنما الحل الذي قام به مرتزقة الصحافة هو فبركة القصص والافتراء على مسؤولي الجمعية لتغطية الفضيحة، بل والتخبط في سلسلة فبركات كل واحدة منها تكذب سابقتها!






سأشير هاهنا لنموذجين من هذه الافتراءات لترميم الموقف:


الفرية الأولى: قامت بها صحيفة الوطن (وهو مما يستغرب على هذه الجريدة الصادقة أن تكذب!) حيث نسبت لفضيلة الشيخ المهندس عبدالعزيز حنفي، رئيس جمعية التحفيظ، بأنه يقول بأن الحلقات لم تغلق، وأنه يتهم المعلمين غير السعوديين باختلاق هذه الشائعات، حيث جاء في صحيفة الوطن:


(أكد رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بجدة الشيخ عبدالعزيز حنفي، أن حلقات تحفيظ القرآن بالجمعية مستمرة ولم تتوقف حسب ما أشيع مؤخرا في بعض المواقع الإلكترونية. وأوضح حنفي أن ما أثير في بعض المواقع الإلكترونية من إغلاق وتوقف لهذه الجمعيات غير صحيح، ولا يعدو كونه حملة موجهة من بعض المدرسين غير السعوديين) [الوطن، 2/11/2010].






ويبدو أن صحيفة الوطن حين اختلقت هذا التصريح ونسبته لرئيس الجمعية راهنت على أن الشيح المهندس حنفي سينحني ويسكت عن نسبة هذا الاختلاق إليه، لكن الشيخ حنفي شعر أن المروءة لا تستقيم مع الصمت عن هذا الافتراء، سيما أن فيه إهانة لإخواننا غير السعوديين من معلمي القرآن، فبادر الشيخ حنفي بتكذيب ما نسب إليه، ثم أعقب ذلك ببيان صريح كذَّب فيه افتراءات صحيفة الوطن، حيث يقول الشيخ حنفي:


(نفى عبد العزيز حنفي، رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة جدة، ما تناقلته بعض الصحف المحلية من اتّهامه للمدرسين غير السعوديين بشنّ حملة موجهة على الجمعية وقرار السعودة، مؤكدًا أن ما قاله هو أن حلقات المدرسين غير السعوديين موقفة وحلقات المدرسين السعوديين مستمرة، نافيًا أن يكون قد قال أي شيء يسيء إلى المدرسين غير السعوديين، وأشار إلى أنه يخدم القرآن وأهله منذ سنين طويلة ولا يمكن أن يتكلم بمثل هذا الكلام) [الاسلام اليوم، السبت 6/11/2010]






الحقيقة أن هذا موقف شهم من الشيخ حنفي، ويعبر عن شموخ الرجولة التي يحملها بين جنبيه، فالفرية التي اختلقتها صحيفة الوطن ضد إخواننا معلمي القرآن غير السعوديين لا يمكن وصفها إلا أنها عمل دنئ منعدم المروءة.






الفرية الثانية: لما لم تنجح الكذبة الأولى للتغطية على ورطة إمارة مكة، لجأت صحيفة الوطن صباح هذا اليوم السبت إلى حياكة تمثيلية أخرى، حيث نشرت الخبر التالي:


(خالد الفيصل يعزز حلقات التحفيظ بـ1070 سعودياً: جاء ذلك في اجتماع ترأسه الأمير خالد الفيصل، بحضور المشرف على الجمعية الدكتور عبدالله نصيف، والمدير العام للتربية والتعليم بجدة عبدالله الثقفي، ورئيس جمعية التحفيظ بجدة المهندس عبدالعزيز حنفي.وأوضح الثقفي خلال الاجتماع أن إدارته ستستفيد من أكثر من 1070 خريجا جامعيا يبحثون عن عمل تضمهم قوائم إدارته). [صحيفة الوطن، 6/11/2010]






هل تعلم من هم هؤلاء الـ(1070) سعودي؟ هؤلاء خريجون متقدمون لوزارة التربية والتعليم لطلب العمل كمعلمين، وقد وضعتهم الوزارة على قائمة الانتظار (waiting list) ، فلما خاطبت الجمعية الإمارة للمبادرة بحل الأزمة، قال الأمير خالد الفيصل: اطلبوا من هؤلاء المنتظرين للعمل كمعلمين أن يتبرعوا للتدريس بتحفيظ القرآن براتب (500) ريال شهرياً! فردت الجمعية بأن هؤلاء المقيدين لدى وزارة التربية والتعليم في انتظار وظيفة معلم يستحيل أن يقبلوا بأن يعملوا براتب قدره خمسمائة ريال، ولو فرض ووافقوا فلن يأتي من هؤلاء الألف إلا عشرة أو عشرين على سبيل التبرع و (الفزعة) للحلقات فقط، ثم إن الجمعية جربت كثيراً منهم فهم يأتون أول أسبوع، ثم لا يستطيعوا الإكمال لظروفهم المعيشية، ثم على فرض أن هؤلاء الألف أتوا للعمل كمعلمين، فإن عدد المعلمين غير السعوديين هو ستة آلاف، فلا يزال هناك عجز!






انفضّ الحديث بين الجمعية والإمارة على ذلك، فقامت صحيفة الوطن وصورت الأمر على أن الأزمة تم حلها بألف معلم سعودي!


هل يشك المراقب أن الصحافة السعودية تمر بأسوأ مراحلها المهنية، فلا تزال الصحافة السعودية تكذب وتتحرى الكذب!










-مجرد حلقة في سلسلة:


قرار تشريد حفظة القرآن الذي اتخذه الأمير خالد الفيصل وفقه الله، ليس قراراً مجرداً يسبح في الهواء الطلق، بل هو حلقة في سلسلة طويلة من العداء القديم والترصد ضد الدعوة الإسلامية، والأمير خالد الفيصل في هذا السياق ينفرد عن جميع أمراء المناطق، بل وعن سياسة والده نفسه الملك فيصل -رحمه الله رحمةً واسعة- فلا يعرف أحد من أمراء المناطق يترصد للدعاة ويضيق عليهم ويتحمس للحفلات الغنائية ودعم العلمانيين مثل الأمير خالد الفيصل.






فحين كان الأمير خالد الفيصل أميراً لعسير ذاق الدعاة منه الأمرّين، فقد كان مجتهداًَ في التضييق على الأنشطة الدعوية، والتمكين لحفلات الغناء والطرب والشخصيات العلمانية المشبوهة.






فمثلاً .. أقيم في منطقة عسير مهرجانات دعوية استضيف فيها العلماء وأقيمت فيها أنشطة ترفيهية وترويحية مباحة، فقام الأمير في البداية وأمر بإخراجها خارج المدن لمدة سنتين، لزيادة مشقة الحضور، ثم أمر بإيقافها كلياً، في الوقت الذي كان يبالغ في نشر وترويج الحفلات الصاخبة، حتى كانت مكبرات الصوت تنقل أصوات المعازف لمسافات شاسعة، فترتج أبها الجديدة عزفاً، حتى كان يتأذى كبار السن منها كثيراً.






وأما التضييق على الدعاة ونقلهم من أعمالهم فكثير، وعلى سبيل المثال الشيخ المحتسب أحمد بن حربان المالكي، حيث اشتكى ظاهرة استعمال الألعاب النارية ذات الأصوات المدوية في المهرجانات لما فيها من إزعاج كبار السن في المنطقة، فاستدعاه الأمير خالد الفيصل وعاتبه، ثم أوعز لإدارة التعليم بنقله، فاشتكى الشيخ أحمد إلى ديوان المظالم فنصره الديوان وصدر الحكم بإعادته لعمله عام 1427هـ.






ومن إجراءات التغريب بين الفتيات في عسير دعم الأمير خالد الفيصل للأستاذة شايان ابوزنادة، حيث كانت تطوف على مدارس البنات في عسير تلقي المحاضرات لتغريب الفتيات، ولا تستطيع المدارس منعها من ذلك، وكانت شايان ابوزنادة تسعى لتحريض الفتيات ضد ولاية آبائهن عليهن، وتشويه بعض الأحكام الشرعية للحشمة والفضيلة، بل بلغ الحال أن شايان ابوزنادة وزعت مرة على بعض الفتيات نسخاً من الرواية التحريضية الساقطة (الإرهابي 20) إبان صدورها.






ولا يزال المراقبون يتساءلون: لماذا الأمير خالد الفيصل هو الوحيد بين أمراء المناطق الثلاث عشرة الذي يضيق على استضافة العلماء والدعاة لإلقاء المحاضرات العلنية؟ حتى أن الأمير خالد الفيصل لما غادر إمارة عسير، وصار أميرها فيصل بن خالد؛ دبّت في عسير الحياة، فعادت لها أصوات العلماء والدعاة، وتناقصت الحفلات الغنائية تدريجياً، وشعر الناس بالتفريج.






ولما جاء الأمير خالد الفيصل إلى منطقة مكة المكرمة جاء بنفس أسلوبه الثلاثي: التضييق على محاضرات العلماء والدعاة، تشجيع المهرجانات الغنائية، دعم العلمانيين عبر مؤسسة الفكر العربي.






ومن أوائل الأعمال التي قام بها الأمير خالد الفيصل فور تعيينه في منطقة مكة عام 1428هـ إغلاق حلقات تحفيظ القرآن التابعة للأميرة أم ثامر بن عبدالعزيز -رحمها الله- وكان الذي يشرف عليها هو ابنها الأمير ممدوح بن عبدالعزيز شخصياً، وكان فيها دور نسائية ونشاط متميز وانتفع بها أممٌ من الناس، فبحث الأمير خالد الفيصل عن مدخل لإيقافها، فوجدها غير تابعة لجمعية التحفيظ، وإنما يشرف عليها الأميرممدوح بنفسه، فأصدر قراراً بإيقافها، وتأثر الحفاظ والحافظات كثيراً بهذا القرار، وتحرك الأمير ممدوح وتابع الأمر بنفسه حتى استطاع إعادة حلقات والدته.






وكانت وزارة الشؤون الإسلامية تقيم مهرجانات دعوية شبابية في الأماكن العامة في جدة ويستضاف فيها كبار العلماء والدعاة، ويحضرها آلاف الشباب، وكان لها دور كبير في حفظهم من الجريمة والمخدرات ونحوها، وغرس القيم الإسلامية الكبرى فيهم كالصلاة وبر الوالدين ونحوها، ومن أشهرها –مثلاً- المخيم الشبابي بجوار المطار القديم، وكان فيه قسم نسائي تلقى فيه المحاضرات العامة، وممن استضيف فيه مفتي عام المملكة، والشيخ عبدالله المطلق والشيخ عبدالله بن منيع ونحوهم من أعضاء هيئة كبار العلماء، وممن افتتحه في بعض سنواته محافظ جدة مشعل بن ماجد، وبدأ التضييق عليه بتقصير زمنه من شهر إلى أسبوعين، ثم أوقفه الأمير خالد الفيصل كلياً عام 1428هـ ووافق الإغلاق إعلان محاضرة فيه للشيخ سعد البريك.






ومن مشروعات وزارة الشؤون الإسلامية التي أوقفها خالد الفيصل (مخيم البحر) على كورنيش جدة، وقد استضاف المخيم الشيخ عبدالله المطلق والشيخ عبدالله المنيع ونحوهم من اعضاء هيئة كبار العلماء، وافتتحه المحافظ مشعل بن ماجد عدة مرات، فضيق عليه الأمير خالد ثم أغلقه كلياً.






وأما اضطهاد قراء القرآن وأئمة المساجد المتميزين فذلك بابٌ انفرد فيه الأمير خالد الفيصل عن غيره فعلاً، ومن أمثلة ذلك: إيقاف الشيخ القارئ عبدالمحسن الحارثي إمام مسجد عليثة الحربي، وهو قارئ متميز وله تلاوات تبث في إذاعة القرآن الكريم، ويؤم مسجده فئام من الناس من أحياء جدة، ويبلغ الغبن مداه حين يعلم المرء أن الشيخ عبدالمحسن الحارثي في رمضان الماضي دعاه القائمون على جامع عمر بن الخطاب في دولة قطر والذي يخطب فيه الشيخ يوسف القرضاوي؛ للإمامة فيه لجمال قراءته، وصلى بهم فعلاً العشر الأواخر في قطر هذه السنة! وهكذا يتفنن الأمير خالد الفيصل في تشريد حملة القرآن وطلابه ومعلميه.






ومنهم الشيخ القارئ المشهور هاني الرفاعي صاحب الصوت النسماتي إمام مسجد العناني بجدة حيث أوقفه الأمير خالد الفيصل وتعنت في إيقافه برغم الشفاعات الكثيرة، حتى أن الشيخ الرفاعي صرح لبعض وسائل الإعلام قائلاً بألم: (بذلت أكثر من المتوقع، وخاطبت الجميع قريباً و بعيداً من أجل الشفاعة، و لا أملك الآن إلا الصبر) [تصريح للرفاعي منشور في عدد من وسائل الإعلام].






ويعرف الجميع أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعاني من ضعف شديد في مدينة جدة نتيجة نقص الكوادر والحوافز والمضايقات، ومع ذلك فإن الأمير خالد الفيصل زاد التضييق عليها لدرجة الخنق، حتى أنه أصدر أوامره بعدم دخول الهيئة إلى المواقع التي هي من صميم عملها، وهذا أمرٌ سبب الفوضى الأخلاقية وتأذى الناس من القرار، ومن ذلك خطاب الأمير للهيئة الذي جاء فيه:


(فضيلة مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف بمنطقة مكة المكرمة..، ماوجهنا به بأنه قد آن الأوان لإلغاء مثل هذه اللجان، اللجان المتعلقة بالمطاعم والأسواق والمنتجعات وما شابهها..، التوقيع الأمير خالد الفيصل) [خطاب من إمارة مكة، برقم 1ش/561897 وتاريخ 18/11/1431هـ ].






وهذا القرار قرار غير نظامي أصلاً، لأنه مخالف لقرار الهيئة الإدارية الأعلى وهي وزارة الداخلية التي قررت مزاولة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعملها في الرقابة الآدابية في الأسواق والمنتجعات (الشاليهات)، وللأسف فإنه لاتزال شاليهات أبحر الشمالية تعاني من مآسي أخلاقية ليلياً بسبب هذا المنع غير النظامي من الأمير خالد الفيصل هداه الله.






وأما اقتحام الأمير خالد الفيصل لمجامع النساء، والتقاط الصور مع الفتيات وهن سافرات، فهذا مما يندى له جبين الفضيلة، ومن نماذج ذلك: حين وقعت كارثة جدة فنشرت صحيفة الوطن (30/6/2010م) خبر لقاء الأمير خالد الفيصل بالمتطوعات، وفيها صورة ملونة متمددة على طرفي الصحيفة لأربعين فتاة سافرة، وضربت المعازف في لقاء الأمير بالفتيات، والتقطوا الصور معهن! كان الناس يتمنون أن الأمير يبادر لحل الأزمة فإذا هو يوظفها لتقويض الفضيلة.






وبعد هذه الحادثة الأليمة بخمسة أيامٍ فقط، نشرت صحيفة الوطن (5/7/2010م) خبر لقاء الأمير خالد الفيصل بطالبات كلية (عفت) وفيهن السافرات، وعزفت الأغاني في الحفل، وكان أخطر ما في هذا الحفل أن إحدى الطالبات كشفت بالخطأ العلاقة التغريبية المشبوهة مع جهات أجنبية، لدرجة اللقاء بالرئيس الأمريكي نفسه والاستفادة من توصياته في كيفية التغيير! حيث تقول إحدى الطالبات كما تنقل الصحيفة:


(ذكرت الخريجة من كلية التمريض بدار الحكمة، وهي إحدى 8 طالبات اللاتي تم اختيارهن للمشاركة في قمة ريادة الأعمال التي أقيمت في الولايات المتحدة الأمريكية حيث قالت: شاركنا في هذه القمة التي استغرقت يومين، وحظينا بمقابلة الرئيس الأمريكي "أوباما" وقالت "افتتحت هذه القمة من قبل الرئيس الأمريكي، الذي ناقش معنا الكيفية التي نستطيع من خلالها تبادل العلاقات الاجتماعية بين الولايات المتحدة والمملكة، وتنمية الريادة الاجتماعية، وكيف تم الارتقاء بهذه الريادة لكي يتم تطبيقها في المملكة) [صحيفة الوطن، 5/7/2010]






فالرئيس الأمريكي أوباما قدم لفتياتنا وصاياه وكيف يتم تطبيقها في المملكة؟! ثم يقولون بعد ذلك: ليس هناك مشروع تغريبي!


وهكذا يتم انتقاء بعض الفتيات، وإرسالهن للخارج للقاء بجهات خارجية مشبوهة، وتلقي التوجيهات في كيفية التغيير في المملكة! فهل يستيقظ النائمون قبل أن لا ينفع الندم؟!






وأما دعم وترويج العلمانية المتطرفة عبر (مؤسسة الفكر العربي) التي يملكها الأمير خالد الفيصل، وتمويل الشخصيات العلمانية المشبوهة بأموال ضخمة؛ فهذا من أشد الأمور إيلاماً، وسأشير لنموذج واحد فقط من ذلك، وهو لقاء (حوار العرب) الذي تشرف عليه وتنظمه (مؤسسة الفكر العربي) وتبثه قناة العربية، ففي لقائه الأخير هذا العام استضاف من جملة من استضاف الدكتور تركي الحمد، و الأستاذ إياد جمال الدين.






فأما الدكتور تركي الحمد فقد صرح بالدعوة للعلمانية الصريحة وأن الشريعة يجب أن لا تطبق على مؤسسات الدولة، حيث يقول:


(الدين رسالة للفرد، وليس شيئاً للدولة، فالدولة لا دين لها) [تركي الحمد، برنامج حوار العرب بإشراف مؤسسة الفكر العربي]






وأما الأستاذ إياد جمال الدين فقد أوجب على الدولة رعاية الكفر والإباحية واحترامها حيث يقول:


(هناك ضرورة دينية وإنسانية لفصل الدين عن الدولة، الدولة لا يمكن أن يكون لها دين، الدولة مؤسسة أمن وخدمات للجميع تعطي الماء والكهرباء للمسجد وللكنيسة وللملهى) [إياد جمال الدين، برنامج حوار العرب بإشراف مؤسسة الفكر العربي]






بل بلغت الوقاحة بالأستاذ جمال الدين إلى "شتم النبي" صلى الله عليه وسلم، وسبِّه سباً صريحاً أمام الملأ، حيث اتهم النبي بأنه أخطأ حين أقام دولة في المدينة، وأن دولة النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة دولة آيديولوجية، وأن هذه الدولة النبوية هي التي تسببت في خلق ظاهرة النفاق، بل كرر في اللقاء أن حالة العربي في جاهليته أفضل من حالته في دولة النبي في المدينة، حيث يقول الأستاذ إياد جمال الدين:


(حكم النبي في المدينة أنتج ظاهرة لم يعرفها العرب في جاهليتهم، وهي ظاهرة النفاق، العربي في جاهليته لم يكن يعرف النفاق بل كان حراً كالصقور الحرة، النبي عاش في مكة ثلاثة عشر عاماً بشيراً ونذيراً لم يكن عنده شرطة ولا جيش، وعاش النبي في المدينة عشر سنوات بشيراً ونذيراً وصاحب سيف وسلطة، وفي المدينة ظهر حزب المنافقين، وهذا يعني أن أول الظواهر السلبية للحكم الآيديولوجي، حتى لو كان تحت حكم النبي؛ أنها تنتج أناساً مزدوجي الشخصية، النفاق ليس رد فعل ضد الدين، بل رد فعل ضد الدولة الآيديولوجية، حتى لو كانت بيد النبي) [إياد جمال الدين، برنامج حوار العرب بإشراف مؤسسة الفكر العربي]






وهكذا تحت رعاية (مؤسسة الفكر العربي) التي يملكها خالد الفيصل يُشتم النبي –صلى الله عليه وسلم- ويُدعى إلى أن تقوم الدولة بخدمة كنائس الكفر وملاهي الإباحية كما تَخدِم المساجد والبيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه!






-فن تشويه سمعة أرض الحرمين:


سأكون صريحاً وصادقاً معك، الحقيقة أنني حين أكون داخل السعودية فإنني أتألم من ظواهر سلبية كثيرة، وجوانب نقص في نظامنا السياسي، لكن حين أكون خارج المملكة فإني أشعر بالفخر والارتياح وأحمد الله كثيراً على ما أنعم به على بلادنا من سيادة الشريعة في القضاء، وخصوصاً حين أرى كتب الفقه الإسلامي على مكاتب قضاتنا وفقهم الله، وأحمد الله كثيراً على المنزلة الاجتماعية الرفيعة التي يتبوأها علماء أهل السنة في بلدي، وأحمد الله كثيراً على نعمة جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها كثير.. ولكني في هذه الأيام الأخيرة صرت أخجل حين أقابل صديقاً عربياً خارج المملكة، الجميع صار يقول لنا: لماذا تغيرت الأحوال عندكم في السعودية؟! لماذا إعلامكم صار يستهزئ بالعلماء؟! بل أعرف أحد الفلاسفة التونسيين أبدى استغرابه أكثر من مرة أن فلول اليسار عندهم صار مرحباً بهم في أرض الحرمين!


هذا الأسئلة تكاد تخنقني خنقاً..






والواقع أن ما يقوم به الأمير خالد الفيصل من منع لحلقات تحفيظ القرآن ودعم للعلمانيين المتطرفين أنه يصب في اتجاه المزيد من تشويه سمعة أرض الحرمين، الحجاج الآن يتوافدون على مكة، ويشاهدون سواري الحرم قد خلت من حفاظها!






المكانة الدينية لبلادنا هي عمق استراتيجي ومصدر استقرار سياسي لنا، وكل تقويض لهذه المكانة الدينية عبر هذا الهياج التغريبي هو خسارة من رصيد قوتنا.. لو كان قومي يعلمون.






من كان يتوهم أننا بهذا الاندفاع التغريبي سنكسب أمريكا فهو واهم، فالولايات المتحدة الأمريكية لن تحترمنا لأننا نحاكيها في أسلوب حياتها، فهناك الكثير ممن يصنع ذلك، ولكنها ستحترمنا إذا كان لنا قوة ووزن في المنطقة، فأمريكا لا تفهم إلا لغة القوة، ولا تفاوض إلا الأقوياء، والسعودية تضحي اليوم بأهم مصدر أكسبها وزنها وقوتها في العالم الإسلامي وهو طبيعتها الدينية.


السعودية اليوم مثل رئيس يحرق بيديه مؤهلات رئاسته..






معلم القرآن غير السعودي حين يرى اضطهاد الأمير خالد الفيصل له، وحين يرى مرتزقة الصحافة في سبيل التغطية على الفضيحة يتهمون هؤلاء المعلمين باختلاق شائعة إيقاف الحلقات؛ هل تظن أن هذا لن يجرح نفسياتهم؟ هل تظن أن هؤلاء سيعودوا لقومهم يدافعون عنك وينصرونك؟ لقد أخطأنا في حقهم خطأً كبيراً ويجب أن تعتذر لهم الإمارة اعتذاراً يليق بمكانتهم كمعلمين لكتاب الله.






ثم هل يظن مرتزقة الصحافة أن معلمي القرآن هؤلاء يبحثون عن "المال" ؟! لو كانوا يبحثون عن المال لفتح الواحد منهم مغسلة ملابس أو مطعم فطائر واكتسب خمسمائة ريال يومياً، وليس خمسمائة ريال شهرياًّ! ولكنهم قوم يحبون القرآن، ويحبون تعليمه، فانظر بالله عليك كيف كافأناهم على حسن صنيعهم! اللهم إنا نعتذر إليك مما صنع خالد.






كم هو مثير للاشمئزاز أن ترى التغريبيين في صحافتنا إذا جاء ذكر الكفار زُرق العيون الذين أهانهم الله بقوله (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) رأيتهم يتحدثون عن احترام الآخر حتى لو لم يكن على دينك، وإذا جاء ذكر معلم القرآن غير السعودي الذي شرفه الشارع بقوله في البخاري (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) رأيت الاستهزاء به، وقذفه بالفرية تلو الفرية، بل وكتب أحدهم في صحيفة عكاظ يستهزئ بلكنة هؤلاء المعلمين ويسخر بطريقة نطقهم للغة العربية!






لو كان هؤلاء المعلمين من نيويورك وفانكوفر ولندن لرأيت التعامل غير التعامل، والوجوه غير الوجوه، ولرأيت الحديث عن الجنسية آخر ما يمكن أن يهمس به! لكنها الهزيمة النفسية حين أصبح الكافر تمتلئ نفوس التغريبيين تعظيماً له، ومعلم القرآن يسخر به وبلكنته ويقذف بالكذبات الباردة.






-لماذا يحارب الأمير تحفيظ القرآن؟


السؤال الذي حيّر كثيراً من المتابعين للأزمة هو السؤال التالي: ما الذي يدفع الأمير خالد الفيصل لعرقلة حلقات تحفيظ القرآن؟






هناك أطروحتان تفسيريتان للإجابة عن هذه الإشكالية أولهما: (مغازلة الترشيحات الأمريكية) وثانيهما: (عقدة المزاحمة الجماهيرية).






فأما الأطروحة التفسيرية الأولى فثمة فريق من المراقبين يرى أن الأمير خالد الفيصل بإيقافه المستمر لأي نشاط شرعي، وعرقلته لجهود هيئة الأمر بالمعروف، وتشجيعه للحفلات الغنائية، وظهوره في مظهر تغريبي بين الفتيات، ودعمه للعلمانيين عبر مؤسسة الفكر العربي؛ يحاول لفت انتباه صناع الترشيحات الأمريكية باعتبار الأمير خالد الفيصل يمثل جناحاً ليبرالياً قادراً على ترويج الأجندة الثقافية الأمريكية، حيث سبق أن طُرِح في الكونجرس الأمريكي أكثر من مرة فكرة دعم أجنحة أخرى داخل الأسرة المالكة لخدمة الأهداف الثقافية الأمريكية، وخصوصاً في الفترة التاريخية التي أعقبت سبتمبر، ولذلك يتوقع هؤلاء المراقبون أن الأمير خالد الفيصل يحاول إيصال رسالة مستمرة لمهندسي الترشيحات الأمريكية هؤلاء.






وأما الأطروحة التفسيرية الثانية فترى أن الأمير خالد الفيصل ليس مجرد أمير له طموحات سياسية، بل يسعى لأن يكون له حضور ثقافي ولذلك يلقب نفسه أحياناً بالأمير الشاعر والأمير المثقف ونحوها، ونتيجةً لذلك فهو يشعر أن الأنشطة الشرعية من محاضرات وحلقات تحفيظ تسرق من الواقع جمهوراً شبابياً مفترضاً يمكن أن يحضر أمسياتهم وحفلاتهم، وقد صرح الأمير خالد الفيصل بشئ من ذلك حين أشار مرةً إلى قلة الحضور عندهم وكون المساجد يحضر للمشايخ فيها آلاف الشباب، ويدعِّم هذا الفريق أطروحته التفسيرية بأن قرار إيقاف الحلقات تم عقب احتفال جمعية التحفيظ بتخريج ألف حافظ في فندق هيلتون، وكان حفلاً مهيباً يعج بآلاف الحاضرين.






على أية حال .. سواءً كان هذا التضييق على الحلقات (مغازلة للترشيحات الأمريكية)، أو كان بسبب (عقدة المزاحمة الجماهيرية)، فالقضية كارثة شرعية تغضب الله جل وعلا، وكارثة اجتماعية تهدد صورة السعودية في الوعي العربي والإسلامي ويجب المبادرة بحلها، سيما أن القرار قرار غير نظامي أصلاً لأنه مخالف لقرار هيئة إدارية أعلى وهي جهة الاختصاص.






الحقيقة أنني مقتنع كلياً بأنه ليس من مصلحة الدعوة أن تكون في خصومة مع المسؤولين، ومقتنع كلياً أن أنجع أساليب الإصلاح هو أسلوب المداراة وحسن الظن المتبادل، ولكن الأمير خالد الفيصل –هداه الله- لم يبق لحسن الظن مكاناً، فقد ألغى الملتقيات الدعوية التي تشرف عليها وزارة الشؤون الإسلامية ويحاضر فيها كبار العلماء كالمفتي العام والشيخ عبدالله المطلق والشيخ ابن منيع ونحوهم، وأصدر قرار تشريد حفظة القرآن بعد أن كانت مساجد المسلمين تعج بأصواتهم، واستحث أصناف المغنين لتلويث أجواء البلد الحرام، واقتحم مجامع النساء والتقط الصور مع الخريجات عدة مرات، واستضاف ومول لقاءات معتوهي الفكر العربي كتركي الحمد الذي يدعو لعلمنة الدولة السعودية، وإياد جمال الدين الذي يشتم النبي -صلى الله عليه وسلم- ويدعو لأن تخدم الدولة كنائس الكفر وملاهي الإباحية! وفوق ذلك كله هو الوحيد بين أمراء المناطق الثلاث عشرة الذي يقوم بهذه الأدوار!


فهل أبقى الأمير خالد الفيصل –بالله عليكم- مجالاً لحسن الظن والمداراة؟!






على أية حال .. حين رأيت الأمير خالد الفيصل أصدر قراره بتشريد حفظة القرآن، وإحياء سوق عكاظ الجاهلي؛ تذكرت مقالاً شهيراً للأمير عنوانه (من غيّب البسمة؟) ، هذا المقال يكشف جيداً عن تصور الأمير لمفهوم السعادة، يتحسر الأمير خالد على أمور يراها غابت فيقول (أشعار وأهازيج، والعرضات التي تقام في كل المناسبات والأفراح والحفلات، للصوت غناء وطرب، ولقرع الطبول والدفوف إيقاع ورقصة حياة وسعادة) [مقال من غيب البسمة؟، الأمير خالد الفيصل، صحيفة الوطن].






ويقول: (من علم الطفل أن مشاهدة التلفزيون السعودي حرام لأن فيه موسيقى؟) [المصدر السابق].






تذكرت هذه الجمل التي تكشف توهم الأمير خالد الفيصل أن المعازف والرقصات والغناء والطرب والموسيقى هي سبب البسمة والسعادة، تذكرت ذلك وأنا أشاهده يغلق حلقات تحفيظ القرآن وقلت في نفسي: (القرآن لا يغيب البسمة يا سمو الأمير..).






ابوعمر


غرة ذي الحجة 1431هـ